مواضيع المحاضرة: التفسير المادي للتاريخ
قراءة
عرض


فلسفة التاريخ /المحاضرة التاسعة/ التفسير المادي للتاريخ
تعرف المادية بأنها أتجاه فلسفي ونزعة ترى أن كل ما في الوجود المادي، أو يعتمد كلياً في وجوده على المادة، فالواقع مادي، والكائنات الحية (أنسانية أو حيوانية)، إنما هي مادية في طبيعتها الأساسية وليست ثنائية التركيب (مادة وروح) لم يكن هذا النوع من التفكير جديداً على ساحة الفكر، بل تمتد جذوره الى الحضارات القديمة، حين النظر الى المادة، كمبدأ أول، أو علة اولى في التفسير وجود الأشياء، فقد ارجع أوائل الفلاسفة اليونان علل الوجود الى المادة بأشكالها الثلاثة (صلب، سائل، غازي)، فطاليس السالطي (623-545ق.م) مثلاً قال أن (الماء مبدأ الوجود الأول)، من بعده قال أنكسمانس (588-525 ق.م) أن (الهواء هو مبدأ الوجود الأول) لأن الماء لا يصلح أن يكون مبدأ أول للأشياء، عندما يتكاف تتشكل في البدء السحب، ثم الماء، ثم التراب والصخر، ةوهكذا تكتمل حلقة التكوين الذي تبدأ بالهواء، لذلك فهو أصل الأشياء جميعاً، والهواء عنده بالنسبة للعالم بمقام النفس للموجودات الحية فهو نفس العالم، ومع هرقليطس (540-474 ق.م) تغيرت النظرة لهذا المبدأن حين عد النار هي الأصل في الوجودات أما انبادوقليس (492-430 ق.م) فأكد أن العناصر المادية تشكل كرة الوجود الدائرية، فلوجود الطبيعي عنده يتكون من عناصر الأربعة (الماء، الهواء، النار، التراب)، لكنه لم يجعل القوة المحركة للوجود احد هذه العناصر، وتعد نزعة ذرية اشهر اشكال المادة التي جسدها مذهب ديمقريطس واييقور، وهي محاولة لتفسير التغير على أساس العناصر النهائية التي يتألف منها العالم، وهذه العناصر جزيئات لا تفبل القسمة أو الفناء، تتحرك في مكان خالي وتتكون الأشياء والكائنات الحية في العالم الطبيعي من أندماج هذه الجزيئات، وتفنى بتفككها، لتؤلف مركبات جددة مختلفة.
ومع بداية تطور العلوم في عصر النهضة الأوربية الحديثة أخذت النزعة المادية شكلاً من اشكال البحث والأستقصاء والتجربة على يد الكثير من العلماء أمثال غاليلو، نيوتن، فرانسيس بيكون، والبارون دي هولباخ، الذي يعد كتابة (نظام الطبيعة، 1770) من المراجع القديمة في المادية ولنتيجة لتطور العلوم الطبيعية (الفيزيقية)، كعلم الجيولوجيا، ونظرية التطور العضوي التي دلت أن الحياة والعقل تطوراً عن المادة الجامدة زعم أصحاب هذا العلم، أن وجود الحياة العقلية ومداها يتوقف على حجم (المخ) وهيئته، وقد جسد ذلك فيسولوجي الألماني كارل فوجت (1817-1895)، الذي قال أن الفكر يرتبط بالمخ.
أما كارل ماركس (1818-1883)، الفيلسوف الألماني، فقد كان مختلفاً عن كل الماديين السابقين له، عندما حاول أن يمزج بين المذهب المادي وبين فكرة الفاعلية التي طورتها المدرسة المثالية، خاصة عند هيغل، وعند المذاهب المادية له صوراً من النزعة الميتافيزقية، لأن تجعل من الظواهر (الطبيعية أو الأنسانية)، أشياء منعزلة خاصة بمقولته العلية، دون أعتبار للتشابك بين الظواهر أو التفاعل بين المعلول والعلة ولسلسلة التغيرات في العلاقات الإجتماعية المختلفة وحاجة الأنسان المتزايدة من الاحتياجات.
أذن فليس موارد الانتاج عند ماركس قوانين ثابته ودائمة، بل أنها تتغير وفق لحياة الأنسان في مجتمعه وعلاقته بسائر قوى الأنتاج، وليست العوامل المادية مؤثرات حتمية لكنها أفعال انسانية وعلاقات مادية مع الأخرين. وهكذا يصبح مفهوم المادية عنده يعني المادة من حيث علاقاتها بالإنسان المتطور التي يعد الانتاج أهم مظهر لهذه العلاقة، من ثم تصبح المادي لديه عملياً لفظة مرادفة للأقتصاد.
يعتبر كارل ماركس أن التاريخ تحكمه قوانين يدركها العقل الإنساني وإن القوانين حتمية يعنى تفرض نفسها لأنها ناتجة عن حركة التاريخ نفسه.. وإذا فهم الإنسان القوانين بإمكانه انه يقرر صورة مستقبل الجماعة الإنسانية”،وقد دأب الماركسيون، على القول بأن المادية التاريخية، هي الطريقة العلمية الوحيدة لإدراك الواقع الموضوعي، التي قفزت بالتاريخ إلى مصاف العلوم البشرية إن ماركس يعتبر إن التاريخ هو تاريخ الصراع الطبقي الذي يعتبره المحرك الأساسي للتاريخ.. إن ما يسميه البناء الفوقي الذي هو الأنظمة السياسية، القيم الاجتماعية والأديان، هي انعكاس للواقع الطبقي والمادي المعاش..وان هذا ينسجم مع النزعة المادية لتفسير التاريخ المتناقض مع النزعة المثالية لتفسير الأخير..قام ماركس بقلب ديالكتيك هيغل رأسا على عقب.وتعتبر المادية أن تاريخ المجتمع منذ أن وجد حتى الآن هو صراع طبقات، كانتتقف موقف المعارضة الدائمة لبعضها البعض وتقوم بحرب لا انقطاع لها”)فتاريخ كل ما يوجد على الأرض حتى الآن- من مجتمعات-إنما هو تاريخ كفاحات طبقية، ووسائل الإنتاج هي الحكم الفصل الحقيقي الذي كان يقرر مصير هذه المجتمعات، فالإنتاج وما يصحبه من تبادل المجتمعات هو أساس كل نظام اجتماعي واقتصادي، وفي كل مجتمع ظهر في التاريخ نجد أن توزيع المنتجات وما يلزمه من تقسيم المجتمع إلى طبقات، يعينه الإنتاج وطريقة وكيفية تبادله، فحسب هذه النظرية نرى أن الأسباب النهائية لكافة التغيرات الاجتماعية والثورات السياسية والاقتصادية يجب البحث عنها في التغيرات التي تطرأ على أسلوب الإنتاج .)فالمادية التاريخية إذن تجعل أسلوب إنتاج الحاجات المادية أساسا للتطور، وتجعل صراع الطبقات سبيل هذا التطور، فالمجتمع البشري مجتمع متطور، والعامل المسير المحتم لهذا التطور هو التغيير الذي يحدث في وسائل الإنتاج, والذي يعين نوع العلاقات الاقتصادية في كل مرحلة من المراحل، وهذه العلاقات الاقتصادية تحتم بدورها نوعا من الأوضاع الاجتماعية والعقائد الدينية والمذاهب الأخلاقية .)المادية التاريخية، بوصفها القاعدة المباشرة للمذهب، والهيكل المنظم لقوانين الاقتصاد والتاريخ، التي تملي-في زعم الماركسية- على المجتمع مذهبها الاقتصادي، وتصنع له نظامه في الحياة طبقاً، لمرحلته التاريخية وشروطه المادية،والمادية التاريخية كانت هي المرجع الأعلى في تحديد المذهب الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، لكل مرحلة تاريخية من حياة الإنسان..وأصبح من الضروري أن يدرس كل مذهب اقتصادي واجتماعي، من خلال قوانينها، وفي ضوئها.ولأجل هذا يقرر انجلز-على أساس المادية التاريخية- “إن الظروف التي ينتج البشر تحت ظلها،تختلف بين قطر و آخر. وتختلف في القطر الواحد من جيل لآخر..لذا فليس من الممكن أن يكـون للأقطار كافة، وللأدوار التاريخية جمعاء، اقتصاد سياسي واحد.
تعاريف مصطلحات:
و كلمة ديالكتيك تعني ديالكتيك: من المجادلة، اي المناقشة. عند الاغريق الديالكتيك فن التوصل إلى الحقيقة عن طريق كشف التناقضات في مجادلة الغريم والتغلب على هذه التناقضات. كان ثمة فلاسفة في العصور القديمة اعتقدوا ان كشف التناقضات في الفكرة وتصادم الافكار المتناقضة كان افضل وسيلة للتوصل إلى الحقيقة. هذه الطريقة الديالكتيكية في الفكر، امتدت فيما بعد إلى الظواهر الطبيعية، وتطورت إلى الاسلوب الديالكتيكي لتفهم الطبيعة، الاسلوب الذي يعتبر الظواهر الطبيعية في حركة دائمة وتطرأ عليها تغييرات دائمة، ويعتبر تطور الطبيعة نتاجا لتطور الظروف في الطبيعة نتيجة التفاعل المتبادل بين قوى الطبيعة المتضادة، إن الديالكتيك في جوهره هو النقيض المباشر للميتافيزيقيا.
الميتافيزيقيا: لميتا فيزيقيا أو الميتافيزياء أو علم ما وراء الطبيعة هي أحد فروع الفلسفة التي تهتم بدراسة المبادئ الأولى للوجود ، ويُسمى أيضًا علم ماوراء الطبيعةلانه يهدف إلى تقديم وصف منظم للعالم وللمبادئ التي تحكمه. وخلافاً للعلوم الطبيعية التي تدرس مظاهر محددة من العالم، تُعدّ الميتافيزيقا علوماً استقصائية أكثر توسعاً في المظاهر الأساسية للموجودات. ويعتمد علماء الميتافيزيقا على أنماط تحليلية تعتمد بدورها على المنطق الخالص عوضاً عن النهج التجريبي الذي يتبعه علماء الطبيعيات. وقد ركز التكهن الخاص بما وراء الطبيعية، ـ دائما ـ على مفاهيم أساسية كالفضاء والزمن، والسببية، والهوية والتغيير، والاحتمالية والضرورة، والمتفردات والعموميات، والعقل والجسد.



رفعت المحاضرة من قبل: اسامة ايمن عبد الغني
المشاهدات: لقد قام عضوان و 636 زائراً بقراءة هذه المحاضرة








تسجيل دخول

أو
عبر الحساب الاعتيادي
الرجاء كتابة البريد الالكتروني بشكل صحيح
الرجاء كتابة كلمة المرور
لست عضواً في موقع محاضراتي؟
اضغط هنا للتسجيل