قسم التاريخ
المرحلة الثالثةالمادة : العراق الحديث
التاريخ : الأثنين 10/ 5/ 220
- ولاية محمد باشا اينجة البيرقدار في الموصل واصلاحاته (1833-1843)
يأتي محمد باشا اينجة البيرقدار في مقدمة ولاة الموصل الذين طبقوا اجراءات
صارمة في الحكم، ومنجزات كبرى في الاصلاحات. فقد تولى حكم ولاية الموصل للفترة1843-1833 ، بعد اقصاء الحكم المحلي اثر الاضطرابات الداخلية، والصراع
الاهلي بين الاسر الموصلية المتنفذة والطامعة في الحكم. وكان اخر وال حكم الموصل هو محمد سعيد ال باشا ياسين المفتي. وقد عادت السيادة المركزية العثمانية
الى حكم الولاية قبل صدور خط شريف كولخانة عام 1839 ، وكان حكم الوالي محمد سعيد باشا ضعيفا في السيطرة على الاوضاع الداخلية، كما فشل في وضع حلول للتهديدات الخارجية، مما جعل امر تنصيب محمد باشا اينجة البيرقدار واليا على الموصل امر محتما.
يعد البيرقدار من الولاة الاتراك الاقوياء الذين فرضوا مقدرتهم اداريا طوال حكمه
للموصل، وكان لوالي بغداد علي رضا باشا دور كبير في تعيين البيرقدار، اذ قدم الاخير على رأس قوة مؤلفة من ثلاث من ثلاث كتائب من الجند النظامية، وقرابة 300 من الخيالة، ودخل الموصل للعمل على استتاب الامن، والسيطرة على الاوضاع الداخلية، ومعالجة المشكلات المحلية وتوطيد الحكم العثماني، فضلا عن بسط النفوذ العثماني على المناطق الشمالية للعراق، واخضاع الامارات الكردية في شمال العراق، كالبابانية في السليمانية، والبهدينانية في العمادية، وامارة محمد باشا مير كور في راوندوز.
التفت البيرقدار بعد ذلك الى اعادة تنظيم ولاية الموصل فقام بإنشاء حكومة محلية
قوية في الموصل، استطاع في الاعتماد عليها من اجل تنفيذ اصلاحاته. وكان الموظفون الاكفاء قوام حكومته. اما بشأن مالية الحكومة فقد اعتمد على الضرائب المفروضة التي تجمع بوساطة: المكوس، والاعشار، والمسقفات، ومن تعداد الاغنام، وعشر الحاصلات الزراعية. وكان البيرقدار يدفع رواتب الجند والموظفين وخطباء الجوامع من هذه الاموال.
وبغية القيام بأعمال تجديد وبناء بنايات الحكومة، جمع البيرقدار وجهاء المدينة،والتجار والملاكين، وطلب منهم ان يساهموا بالمصاريف المطلوبة، فنجح في تعمير دور الحكومة التي كانت تسمى القشلات. وكان ان زار الموصل القائد الالماني فون مولتكه، فطلب من البيرقدار ان يضع له مخططا لهذه المنشآت الحكومية، ففعل ذلك مولتكه فجازاه بان قدم له البيرقدار ساعة ثمينة.
اهتم البيرقدار بشؤون الجيش، وتنظيم اموره الاقتصادية والصحية، فأسس عدة افران
خاصة بالجيش، كما انشأ معملا لصنع المدافع والقنابل والبارود اسماه ب)الطوب خانه(،مستخدما بعض الخبراء من راوندوز، فاكمل صنع ثمانين مدفعا بإشراف الاسطة رجب، كما قام بتشييد مستشفى في الموصل، وفتح شوارع عدة فيها، فضلا عن تجديده بعض المساجد. اهتم ايضا بالنواحي الاجتماعية، اذ وضع بعض العقوبات على من يتعاطى الخمر وارتكاب الرذائل والمحرمات. كما نجح في تنظيم الامن بإلغائه لبعض الاجهزة القمعية واستحدث جهاز الدرك، والشرطة كقوات نظامية مخصصا لهم كلفة خاصة بهم.
كما انشأ الثكنات العسكرية الخاصة بالجيش كل حسب صنفه، كالمشاة والخيالة والمدفعية. فضلا عن فرض التجنيد الالزامي، فسبب بذلك اثارة الاهالي عليه، فقد عارضوا ذلك بشدة، فهددهم ونفى بعض زعمائهم، فاذعن الاهالي لذلك القانون، ومن الجدير بالذكر ان الموصل دون بقية المدن والاقاليم العراقية انفردت بذلك، أي كانت السباقة في تطبيق القانون الذي لم يطبق. في بقية انحاء العراق حتى عام 1870
شهد عهد البيرقدار اضطرابات في مدينة الموصل، كما ثارت تلعفروسنجار ومناطق
اليزيدية، مما حمل البيرقدار ان يتعامل مع الانتفاضة بشدة حتى قمعها ولاسيما ضد اليزيدية وعشائر شمر العربية. وكان في اجراءاته قاسيا ضد الثوار. ومما يجدر ذكره ان جميع اجراءات البيرقدار كانت مقتصرة على الجوانب العسكرية المقرونة الشدة الادارية سواء في المدينة ام في أقاليمها وتوابعها، اذا ما قورنت اعماله بأعمال وانجازات ولاة اخرين اهتموا بالنواحي العلمية والاجتماعية والاصلاحات المدنية. اذ لم يهتم البيرقدار بالمدارس، ولم يقدم على انشاء دور للعلم بسبب النزعة العسكرية التي اتصف بها.
-