جامعة ذي قار
كلية التربية للعلوم الانسانيةقسم العلوم التربوية والنفسية
محاضرات مادة: علم نفس الشخصية
لطلبة المرحلة الثالثة/ قسم العلوم التربوية والنفسيةاستاذ المادة: الدكتور عبد العباس الحجامي
مدخل الى علم نفس الشخصية (Personality Psychology)
================= ================لماذا ندرس الشخصية؟ وهل يمكننا فهمها؟وما هو تعريفها؟وما أبعاد بناء ونمو الشخصية؟ ما الذي يجعلنا مختلفين عن بعضنا البعض؟ كيف يمكننا تحديد ووصف هذه الاختلافات؟ما أنواع الاختبارات التي يستخدمها علماء نفس الشخصية لقياسها وتقييمها؟ وهل الشخصية تتسم بالثبات أم بالتغير؟ أيهما يؤثر في تكوين شخصية الفرد ، الوراثة أم البيئة؟ أو كليهما؟ وما هي المنطلقات النظرية للشخصية؟ لماذا يكون شخص من الأشخاص عدائياً وآخر روائياً ،مثلا؟ ما علاقة الصحة النفسية بالشخصية؟ ما هي المنظومة الانفعالية لها؟ ومتى تكون الشخصية بين السواء والمرض؟ وكيف يتم علاجها؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تطرح من قبل علماء نفس الشخصية عند تناولهم لمفهوم الشخصية الإنسانية.
مما لاشك فيه أن لكلمة الشخصية(Personality) سحرآ خاصاً لدى عامة الناس كونهم يطلقون أحكاماً تقويمية بشأنها، فبعضهم يشير بمفهومها الى الجاذبية التي يتصف بها الفرد في نظر الآخرين، والبعض الآخر يَريد بها المهارة الاجتماعية ،وثالث يقصد بها القيادة الفذة وهلم جراً.إن الناس يختلفون بأشكال متنوعة لما يتصفون به من فروق فردية واختلاف في الأبعاد السلوكية والسمات السيكولوجية مثل الخجل والانسحاب والعزلة والانطواء والهيمنة والشفقة والانبساط، وما الى ذلك.
فالشخصية في نموها وتغيرها في أثناء مراحل نمو الفرد يتناولها علم النفس الإكلينيكي ، الذي يهدف الى تفهم وعلاج حالات عدم السواء، ويناولها علم النفس التربوي لأن أحد أهدافه متابعة نمو الطفل حتى يصبح يافعا، والشخصية كما تتفاعل مع الآخر ومع المجتمع يتناولها بالبحث والدراسة علم النفس الاجتماعي، والشخصية كما تنتج وتصنع وتتفاعل مع الآلة يتناولها علم النفس الصناعي، وهكذا نجد الشخصية في علم النفس الإداري والجنائي والحربي والتجاري ...الخ.
والشخصية مشتقة من الكلمة اللاتينية(Persona) التي تشير الى الأقنعة التي يستعملها الممثلون في المسارح اليونانية ليؤدون دورهم على خشبة المسرح فيظهر الشخص أمام الجمهور بمظهر خاص يساير طبيعة دوره المسرحي. والغرض من ذلك هو تشخيص سلوك الشخص الذي يقوم بدور من أدوار المسرحية، بمعنى هو عنوان عن طباع الشخص ومزاجه الخلقي. وقد تبنى علماء النفس هذا المفهوم فعدوا الشخصية هي المظهر الخارجي للفرد كما يتمثل في سلوكه الظاهري. وكان من نتيجة الدراسات والأبحاث المتلاحقة ان عدل بعض علماء النفس هذا المفهوم وتكلموا عن جوهر الشخصية كما تكلموا عن الأعماق والأغوار في النفس الإنسانية، ثم تعددت البحوث في دراسة الشخصية وكذلك المفاهيم والتعاريف الخاصة بها. والشخصية تتميز عن غيرها من الموضوعات التي يتناولها علم النفس، كونها تركز على التنظيم الديناميكي المعقد داخل الفرد، وعلى الفروق الفردية في الوظائف النفسية كالإدراك والتعلم والدافعية......الخ. ولم تصبح دراسة الشخصية ذات أسس وقواعد منتظمة في علم النفس وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حتى منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، فقد صدرت الكتب والمقالات وبدأت الجامعات تعطي المقررات وبدأت البحوث، وكان هناك اعتراف بأن التحليل النفسي يمكن دمجه في علم النفس ليكون أساسا علمياً لدراسة الشخصية.وقد تأثرت نظرية الشخصية المعاصرة بصورة عامة بعالم النفس سيجموند فرويد(S.Freud) أكثر من أي عالم آخر.
وقد اختلف علماء النفس في تحديد مصطلح الشخصية، وان عدم الاتفاق بين العلماء والمنظرين حول تعريفها بشكل عام وجامع وشامل ،لا يعني بالضرورة في انها ليست بذات فائدة، بل هي تعطي بصيرة من الأمل لفهم الطبيعة الإنسانية، وان هذا الاختلاف يعود الى صعوبة موضوعها، وكذلك الى طبيعة البيانات التأريخية والسياقات الشخصية التي يتمتع بها كل منظر في ضوء تراكمه المعرفي والفكري والزمن الذي عاش فيه ذلك المنظر. وبرغم كثرة تعريفات الشخصية، إلا أنه يمكن تصنيف هذه التعريفات على أساس اعتبارات ثلاث،هي:
على اعتبار أن الشخصية مثير أو مؤثر اجتماعي في الآخرين.
على اعتبار أن الشخصية هي الأنماط السلوكية التي يستجيب بها الفرد للمثيرات التي تقع عليه.
على اعتبار أن الشخصية حالة من الحالات الداخلية وأنها أساس سلوك الإنسان.
وفيما يلي بعض تعريفات الشخصية:
يُعرف فرويد(Freud) الشخصية بأنها: مجموعة الخبرات المبكرة التي يمر بها الفرد خلال مجموعة متعاقبة من المراحل النفسية الجنسية.
ويُعرفها واطسون(Watson,1930) بأنها: مجموع أنواع النشاط التي يمكن ملاحظتها في سلوك الفرد لفترة زمنية كافية حتى يتمكن الملاحظ من اعطاء معلومات دقيقة وثابتة، بمعنى هي النتاج النهائي لمجموعة من العادات التي تميز الشخص.
على حين يُعرفها جيلفورد(Guilford,1959) بأنها: نمط السمات التي تميز شخصِ بذاته. ويعرفها إيزنك(Eysenk) بانها التنظيم الثابت المستمر نسبياً لأخلاق الشخص ومزاجه وعقله وجسده ، وهذا التنظيم هو الذي يحدد تكيف الشخص مع محيطه.
وأما دافيدوف (Dave dove) فتُعرف الشخصية بأنها تلك الأنماط المستمرة والمتسقة نسبياً من الإدراك والتفكير والإحساس والسلوك التي تبدوا لتعطي للناس ذاتيتهم المميزة.
أما لندين(Lundin,1961) فيعرفها: ذلك التنظيم الذي يمثل الخصائص البنائية والديناميكية لفرد ما، أو لمجموعة أفراد كما تعكس نفسها في الاستجابات المميزة له بالنسبة لموقف معين.
ويعرفها البورت (Allport, 1961) بأنها: ذلك التنظيم الديناميكي الكامن في الفرد من أجهزة نفس جسمية (يتضمن النشاط الوظيفي لكل من العقل والجسم في شيء من الوحدة ) تحدد سلوكه وتفكيره المميزان.
والشخصية عند روجرز(Rogers) تعني الذات(Self)،وهي عند اريكسون(Erickson) سلسلة من الأزمات النفسية يمر بها الفرد خلال حياتية، بحيث تكون الشخصية وظيفة لتوابعها.
ويرى باندورا (Bandura) في الشخصية على انها نمط معقد من التفاعل المستمر بين الفرد والسلوك والبيئة. ويعرفها سانتروك (Santrock) على انها الافكار والمشاعر والسلوكات الدائمة نسبياً التي تميز الطريقة التي يتكيف بها الفرد مع البيئة.
ويُعرفها كل من كوزلين وروزنبرج(Kosslyn and Rosennberg) بأنها: مجموعة متسقة من الخصائص السلوكية التي يظهرها الفرد في المواقف المختلفة وفي الاوقات المختلفة، والتي تميزه عن غيره من الناس.
وفي نظر موراي(Murray) أن أصل الشخصية هو المخ لأن فسلجة مخ الفرد هي التي ترشد وتحكم الشخصية وأن كل ما تعتمد عليه الشخصية يوجد في الدماغ (حالات الشعور) الذكريات الشعورية واللاشعورية وكل معتقداتنا واتجاهاتنا ومخاوفنا وقيمنا.
ويعرفها مكنون (Maknon) بأنها التنظيم الثابت لحد ما لخلق الفرد وصفاته المزاجية وذكائه وصفاته الجسمية، حيث تحدد باندماجها معاً توافقه مع البيئة.
ويعرفها مورتن برنس(M.Brens) بأنها: مجموع ما لدى الفرد من استعدادات ودوافع ونزعات وشهوات وغرائز فطرية وبيولوجية، كذلك ما لديه من نزعات واستعدادات مكتسبة.
ويعرفها عماد الدين إسماعيل بأنها: ذلك المفهوم الذي يصف الفرد من حيث هو كل موحد من الأساليب السلوكية والإدراكية المعقدة التي تميزه عن غيره من الناس وبخاصة في المواقف الاجتماعية. ويعرفها عزيز حنا بأنها:
ذلك التنظيم المتكامل الديناميكي الذي يتميز به الفرد وتتكون من التفاعل المستمر المتبادل بين المنظومات النفسية والجسمية ومؤثرات البيئة المادية والاجتماعية.
والتعريف الإجرائي للشخصية: مصطلح يدل على ذلك التنظيم الدينامي المكون من العوامل والصفات التي تميز الفرد وتحدد أسلوب تعامله مع البيئة.
وبالرغم من إختلاف التعريفات فإن الشخصية هي بناء فرضي. بمعنى أنها تجريد يشير الى الحالة الداخلية أو البينية للفرد.وتتضمن هذه الحالة التاريخ التعلمي الخاص بالشخص والمكونات البايلوجية له والطرق التي انتظمت بها هذه الأحداث المعقدة، والتي تؤثر في استجابة الشخص لمثيرات بيئية معينة.
وهكذا نظر الى الشخصية من قبل كثير من الباحثين على انها الدراسة العلمية للفروق الفردية المتعلقة بالفكر والسلوك التي تحدث تحت ظروف موقفية معينة وكذلك التشابهات بين الأفراد في الفكر والسلوك التي تحدث في ظروف موقفية مختلفة.
مكونات الشخصية
===========
تتكون الشخصية من مكونات متكاملة ترتبط ارتباطاً وظيفياً قوياً في حالات السواء، وإذا حدث اضطراب في أي مكون منها أدى إلى اضطراب في البناء العام والأداء الوظيفي للشخصية، وفيما يلي مكونات البناء الوظيفي للشخصية:
مكونات جسمية ، وتُعد من أهم مكونات الشخصية لأنها الواجهة الرئيسية للفرد، وتتعلق بالشكل العام للفرد والطول والوزن والصحة العامة والأداء الحركي والمهارات الحركية ووظائف أعضاء الجسم كالجهاز العصبي والجهاز الدوري والتنفسي والهضمي والغددي والتناسلي.
مكونات عقلية معرفية: وتشمل الذكاء العام والقدرات العقلية المختلفة ، والعمليات العقلية العليا كالإدراك والحفظ والتذكر والانتباه والتفكير والتخيل والتحصيل ...الخ ، وتشمل كذلك الكلام والمهارات اللغوية.
مكونات انفعالية، وتتضمن أساليب النشاط المتعلق بالانفعالات المختلفة مثل الحب والكره والخوف والبهجة والغضب ، وما يرتبط بذلك من ثبات انفعالي أو عدمه.
مكونات اجتماعية، وتشير الى التنشئة الاجتماعية للشخص في الأسرة والمدرسة والمجتمع وجماعة الرفاق ، والاتجاهات والقيم والقيادة والتفاعل الاجتماعي والأدوار الاجتماعية.
سمات الشخصية Personality Traits
========================إن من أنواع سمات الشخصية الإنسانية هي الآتي :
السمات المزاجية ، هي التي تتوقف على التكوين الفسيولوجي للفرد كحالة جهازيه العصبي والغددي، فهناك أناس يميلون بطبعهم إلى المرح والاستبشار وآخرون يميلون إلى الاكتئاب والانقباض، وان هذه السمات يعينها التكوين الوراثي للشخص لذا كان تغييرها أمراً عسيراً، على عكس السمات الاجتماعية والخلقية كالصدق والأمانة والتعاون فهي قابلة للتعلم والاكتساب والتعديل.
السمات اللاشعورية والسمات الشعورية، فالسمات الشعورية هي تلك التي يفطن الشخص الى وجودها ويدركها كسمات ضبط النفس والصداقة والعلاقات الاجتماعية الحميمة ، وأما السمات اللاشعورية تلك التي لا يفطن الشخص إلى وجودها ولا يدرك الصلة بينها وبين سلوكه رغم أنها تؤثر في سلوكه مثل البخل والأنانية الشديدة عند بعض الناس او الغرور المبالغ فيه وغيرها من الانماط السلوكية المنبوذة التي يبعدها المنطق والعقل.
العصابية البدائية: والتي تتسم بعدم النضج وسرعة الغضب والحماقة المفاجئة دون مبرر مقنع ولا يقرها العقل، وقد يندفع بعض الاشخاص لممارسة هذا السلوك المكبوت قسراً الذي يتعرض مع السلوك العام وقوانين المجتمع.
التناقض الوجداني: تلك السمة التي تحتضن نقيضين متعاكسين كدور الاب أو الام في خلق مشاعر المودة والحنان لدى اطفالهما في الوقت ذاته فانهما يعتبران مصدر اللوم أو التأديب الذي يمارس مع ابنائهما ،بمعنى ان الابناء يحملون سمة ظاهرها يتعرض مع باطنها عند المعاملة الوالدية بينهم.
البناء النفسي لشخصية الفرد :
=================يختلف البناء النفسي من شخص لآخر وهذا الاختلاف يعود الى التركيبة النفسية، فقد نجد أن هناك أشخاص يميلون الى الانبساطية وآخرين يميلوا الى الانطوائية ، وآخرين يميلوا الى العصابية، بينما نجد آخرين يميلون الى الاتزان الانفعالي. وهناك أفراد يميلوا الى الانغلاق الذهني وعدم المرونة الذهنية وآخرين أكثر تفتحاً ذهنياً وأكثر مرونة وأقل تعصباً وأقل تحيزاً. ونجد هناك الشجاع وهناك الجبان وهناك الهزلي وهناك الجاد، كما ان هناك المسالم وبالمقابل نجد المجادل، وهناك المتوافق ويقابله غير المتوافق. وبالتالي فاختلاف البناء النفسي أو التركيبة النفسية بكل عناصرها تؤدي الى اختلاف الأنماط السلوكية للأشخاص حتى وان كانوا من نفس العمر او من نفس الجنس أو من نفس الظروف البيئية.
أبعاد بناء الشخصية :
============
يولد الفرد منا وحدة بيولوجية تتفاعل مع وحدة أكبر هي وحدة البيئة والاجتماعية ويظل هذا التفاعل في أثناء رحلة حياة الإنسان، وفي كل لحظة يمكن وصف هذا الشخص بكثير من الأوصاف ، فهذا طفل عدواني، وذاك طفل منطوي، هذا الشاب منفتح الذهن، وذاك منغلق، هذه الفتاة جادة وتلك عابثة، وهذه المرأة مملؤة بالحنان، وتلك قاسية....الخ. والسؤال المطروح من أين أتت هذه الصفات التي نخلعها على السلوك؟ ومما لا شك فيه أن هناك ثلاثة أبعاد تنمو من خلالها الشخصية وهي :
البعد الأول : التكويني ، ويعد هذا البعد بمثابة الدعامة الأولى في بناء الشخصية أو هو المادة الخام لبناء الشخصية. ويمكن تقسيمه الى قسمين، أولهما المنظومة البيولوجية السلوكية، والثاني منظومة الغدد الصماء. ولو تطرقنا للمنظومة البيولوجية، فإن الإنسان يتكون باندماج حيوان منوي ببويضة فيتكون ما يسمى بالزايكوت وينمو الزايكوت بالانقسام المتضاعف بمعنى ان الخلية المخصبة تنقسم الى خليتين وتنقسم الخليتان الى أربعة ثم الى ثمانية، ستة عشر، اثنتان وثلاثون ....... وهكذا تتكون ملايين الخلايا. وتصطف هذه الخلايا في ثلاث طبقات. الطبقة الخارجية تسمى بالاكتودرم(Ectoderm) ومنها يتكون الشعر والجلد والجهاز العصبي ، والطبقة الثانية الميزودرم(Mesoderm) وتتكون منها معظم الأجهزة كالجهاز الدوري والتنفسي والبولي والعضلات والعظام..الخ، وأما الثالثة فهي الطبقة الداخلية وتسمى الاندودرم(Endoderm) وتتكون منها بعض الغدد الداخلية والجهاز الهضمي. يبقى الجنين في رحم الام حوالي (280) يوماً ويتحدد جنس الجنين بمجرد اندماج الحيوان المنوي بالبويضة، اذ أن 50% من الحيوانات المنوية (Sperms) تحتوي كرموزوم Y))، و50% الأخرى تحتوي كروموزوم (X). بينما تحتوي البويضة بصفة مستمرة على كروموزوم X . فإذا اندمج حيوان منوي في داخله كرموزوم x بالبويضة فان الوليد يكون انثى(XX) ، وإذا اندمج حيوان منوي بداخله كرموزوم y بالبويضة فان الوليد يكون ذكرآ (XY). اي ان المسؤول عن تحديد جنس الجنين هو الحيوان المنوي وليس البويضة. وبجانب هذا الزوج من الكروموزومات(xy) و(xx) يوجد (22) زوجاً آخر من الكروموزومات خاصة بجميع خصائص الجنس البشري. ولذلك تكون خلية الإنسان محتوية على(23) زوجا من الكروموزومات، واحد منها فقط خاص بالجنس، والباقي خاص بخصائص الإنسان. تحمل الكروموزومات ما يسمى بالجينات وهي التي تنقل الخصائص الوراثية عبر الأجيال. وهذه الجينات تنقل خصائص مادية مثل لون الجلد، لون العين، شكل الأنف، الطول أو القصر وكذا الاستعداد لبعض الأمراض. وتكون بعض هذه الجينات مسيطرة وبعضها الآخر متنحية، وقد تحدث طفرة في هذه الجينات فتنقل خصائص لا توجد من أجيال سابقة كما قد ينقل الفرد خصائص كانت موجودة في الأجداد وغير موجودة في الأبوين. وأما فيما يخص منظومة الغدد الصماء فإن جسم الإنسان يحتوي على نوعين من الغدد، الاول تسمى بالغدد القنوية وهي التي تفرز أنزيماتها في قنوات تساعد في عمليات هضم الغذاء وتمثيله كالغدد اللعابية، والدمعية، والكبد، والصفراء. وهناك منظومة أخرى من الغدد تسمى بالغدد الصماء أو الغدد عديمة القنوات والتي تفرز مجموعة من الهرمونات في الدم مباشرة عن طريق الضغط الاسموزي، اذ ينتقل الهرمون في داخل الغدة الى الدم عن طريق جدار الغدة لأن تركيز الهرمون في داخل الغدة أقل من تركيز الدم، اذ أن مفهوم الضغط الاسموزي يتمثل في انتقال السوائل الأقل تركيزا الى السوائل الأكثر تركيزا من خلال جدران الخلايا. والهرمونات المفرزة هي مواد بايوكيميائية ذات فعالية كبيرة في فسيولوجيا جسم الإنسان.وان أهم غدة في هذه المنظومة هي الدة النخامية التي تعمل كالمايسترو بالنسبة لباقي الغدد. وتفرز الغدة النخامية مجموعة متنوعة من الهرمونات تنظم عمل الغدد الأخرى، وهي توجد في قاع المخ. وتوجد الغدد الدرقية ومن حولها أربع غدد صغيرة تسمى جارات الدرقية. كذلك توجد الغدتان فوق الكلية (الكظرية) وكذلك الغدد التناسلية حيث توجدان في الخصيتين في الذكر وفي المبيضين في الأنثى. وان زيادة أو نقصان إفراز هرمون ما من غدة ما يكون له تأثير حاسم في أعراض مرضية واضطرابات واضحة في السلوك.فزيادة إفراز الغدد الدرقية مثلآ عن المعدل يصاحبه سرعة الاستثارة والأرق، وقلة افراز الغدة الدرقية عن معدلها يصاحبه الإرهاق والكسل والرغبة في النوم. والغدد الجنسية تفرز أساساً هورمونين أحدهما التستسرون "Testesteron" وهو موجود بكم أكبر في الذكور وبكم أقل في الاناث. وهرمون الاندروجين "Androgene" ويوجد بكمية اكبر في الاناث وبكمية أقل في الذكور. والخلل في افرازها سواء بالزيادة أو النقصان يؤدي الى تغيرات في الجسم وفي السلوك. فزيادة التستسرون في الأنثى مثلا يؤدي الى نمو الشعر في الوجه والى غلظ الصوت وضمور المبيضين(المرأة المسترجلة)، بينما تؤدي زيادة الاندروجين في الذكر الى سقوط الشعر من الجسم وبخاصة الوجه ونعومة الجلد ورقة الصوت وبروز الثديين.
إن نقاء وسلامة البعد التكويني يتلخص في سلامة التركيب العضوي للفرد بأجهزته وأنسجته وخلاياه وفي سلامة الوظائف الفسيولوجية لهذا التركيب العضوي.
البعد الثاني، الثقافي ، إن ثقافة المجتمع تطبع شخصيات هذا المجتمع بمجموعة خصائص وعادات ومفاهيم وافكار وانماط من السلوك تغاير تماماً خصائص وعادات ومفاهيم وافكار وانماط من السلوك لشخصيات تكونت في ثقافة أخرى.
ولقد كانت دراسات بندكت " Benedict" عام 1934 ومارجري ميد "M.Mead" عام1935 قد أنارت الطريق امام العلماء والباحثين لتفهم الاسس المعقدة للبناء الاجتماعي ولتكوين وبناء شخصيات هذه المجتمعات.فقد قامت بندكت بدراسة العادات القبلية ، اذ قامت بتحليل ثقافي لثلاث مجتمعات بدائية في مكسيكو الجديدة(قبيلة الزونو) و (قبيلة الدوبو) و(قبيلة الكواكيوتل) وان هذه القبائل تتباين وتتضاد في كل الخصائص التي تميز شخصياتها، وحاولت بندكت ان تظهر كيف يمكن للعادات والتقاليد إن تؤثر بفعالية في شخصيات الأفراد الذين ينخرطون فيها ومن ثم تنعكس في سلوكهم. فقبيلة الزونو مثلا يعتقدون بالاعتدال والبعد عن التطرف، ويمارسون طقوسآ مقدسة رسمية ويتحمل الفرد في هذا المجتمع المسؤولية ويضحي من أجل صالح المجتمع ويبتعد عن الانانية ويتسامح في الوقت الذي يكون فيه الهنود الكواكويتل يمارسون الخصومة متفاخرون، كأفراد يتسمون بالفردية الزائدة وبالأنانية وكثيرا ما يخرجون عن القانون في دوافعهم وأهدافهم. كما ان تصرفاتهم لا تتسم بالثبات وتوصف حضرتهم بالثنائية والتناقض من الوجهة الأخلاقية.
أما عند قبيلة الدوبو نجد ان السمات الغالبة هي الحرص والتشكك والشجار على أتفه الأشياء والقضايا. وتقول بندكت في وصفها لهذه الشخصيات المتباينة ان الفرد هو الذي يخلق ثقافته ومن ثم يكون مسؤولا عن الممارسات المتناقضة التي تعد بمثابة دستور اجتماعي لهم.. وتؤكد بندكت ان كل شيء ، بعيدآ عن الملامح البيولوجية العامة، ينقل من جيل الى آخر من خلال عملية التطبيع الاجتماعي( التنشئة الاجتماعية)، اذ أن الجزء الأكبر من أفراد الثقافة يأخذ الشكل( الصيغة) المقدمة له، ويكون الأمر هكذا بسبب عدم وجود تناقض أساسي بين دور المجتمع ودور الأفراد.
البعد الثالث، الاجتماعي ، ان البعد الاجتماعي يركز على ما يمكن تسميته بالتفرد الثقافي وهو احد ابعاد الثقافة الذي يعتمد أساساً على التنشئة الاجتماعية في داخل الاسرة وعلى الخبرات الفردية الخاصة التي يمر بها الفرد والتي تكمل صياغة شخصيته. ويؤدي هذا التفرد الثقافي بالفرد الى نمو شخصية مخالفة لكل الشخصيات في داخل الثقافة نفسها والثقافة الفرعية. ولقد حاول علماء النفس الاحتماعي ابراز البعد الاجتماعي باعتباره مكملاً للمظاهر الثقافية. وسوف نعرض لنظريتين تلقيان الضوء على أهمية العامل الاجتماعي في تشكيل شخصية الفرد، وهما:
نظرية التعلم الاجتماعي لروبرت سيرز"Robert Sears"
توصل سيرز من خلال أبحاثه الى وجود علاقات دالة بين الآباء والأبناء، ويحكم سيرز على الشخص من أفعاله التي تعد أساس التفرد ويؤكد على أهمية الآباء في تطوير شخصية الأبناء، اذ أن تنشئة الطفل هي المحدد لطبيعته في المستقبل، ونتيجة لذلك فان التباينات في شخصيات الأفراد تعود الى حد كبير للاختلافات الموجودة بين الآباء في فهمهم وتقويم للصيغ والأشكال المتباينة للمعلومات المتاحة في ممارستهم للتنشئة الاجتماعية. ويعد سيرز ( الشخصية) نتاجاً لحياة الفرد تكونت عبر الأفعال الثنائية التي غيرت إمكانات الفرد الشخصية وأدت به الى المزيد من الأفعال. وأول علاقة ثنائية توصف عند سيرز هي الاعتمادية "Dependancy" التي تعد بمثابة دافع تترعرع من خلاله العلاقة الثنائية بين الطفل والأم في أثناء رضاعة الطفل خلال العام الأول. وقد يسهم الأب في غرس هذا الدافع، ولكن التدعيم أساسا لهذا الدافع يأتي من خلال الأم. وباستمرار نمو الطفل يبدأ في أن يتعلم الاستقلالية " Independency " وتكون العلاقة الاجتماعية متمثلة في أعطاء الطفل الإحساس بالأمن وذلك عن طريق الاستجابة لمطالبه الاعتمادية وفي الوقت نفسه مساعدته كي ينمو مستقلا. ومنذ بداية العام الثاني وحتى موعد دخول المدرسة يبدأ الطفل في إشباع دوافعه الثانوية( المحبة، الحرية، الانضباط، التقدير، الانتماء.....الخ) اذ يدرك الطفل أن سعادته الشخصية محكومة ومعتمدة على استعداده لعمل ما هو متوقع منه، ومن ثم تصبح أفعاله مدفوعة ذاتياً ويميل في أفعاله لإشباع دوافعه الفسيولوجية( بوصفها دوافع أولية) والنفسية والاجتماعية ( بوصفها دوافع ثانوية) وتكون هذه الاشباعات مشبعة للاباء في نفس الوقت، ولا تكون كل أفعاله بالضرورة مشبعة للآباء فقد يحدث العقاب وتكثر النواهي. وفي سن الثالثة يبدأ الطفل في تعلم الكبت أو في تغيير اتجاه سلوك العدوان (ضرب لعبة مثلآ او تحطيمها) للتعبير عن العدوانية المزاحة من الام أو الأب الى اللعبة، ثم يبدأ الطفل في تمثيل الكثير من سلوك الأبوين ويبدأ في التوحد معهما ويرتبط الوضع هنا بنمو الوعي. ويتصرف الطفل في غياب الأبوين بالطريقة التي يعرف إنهما يريدانها. وتقليد الطفل الناجح لسلوك الأبوين ولتوقعاتهم يدعم سلوكه ثم تنمو شخصيته موجهة من الكبار،ومع الوقت يصبح الطفل مؤهلا لدخول المدرسة ويكون مستعدا لامتصاص مفاهيم وقيم سلوك الكبار من حوله في محيط عالمه من المدرسين ويمار معهم ما اعتاد أن يمتصه من الأبوين. وبهذا يسهم المجتمع حينذاك في تطبيعه اجتماعياً. ولكن يبقى للأسرة الدور الأساس ويأتي المجتمع بمؤسساته لزرع دوافع الفرد واهتماماته واتجاهاته وقيمه ومهاراته وفق ما تتوقعه منه البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.النظرية الاجتماعية لتاكلوت بارسونز وروبرت بيلز"Talcott Parsons& Bales
يعطي كل من بارسونز وبيلز وزناً كبيراً لعملية التطبيع الاجتماعي للفرد. وتشير هذه العملية من وجهة نظرهما الى الدور الاجتماعي المتوقع من الفرد البالغ حتى يحقق التكامل والاتساق داخل هذا المجتمع. وإذا لم يحدث هذا فان المجتمع يتفسخ ويتغير الى مجتمع آخر بمنظومة جديدة وتتطلب عملية التطبيع الاجتماعي إنتاج أفراد لهم من القابليات والفعاليات والممارسات وبالأعداد المطلوبة لتأدية الأدوار الموكلة إليهم اذ تصب في النهاية في المنظومة الاجتماعية.والمظهر الآخر لعملية التطبيع الاجتماعي هو نقل المعلومات والمعرف والمهارات من جيل الكبار الى جيل الصغار.والمعلومات والمهارات تنقل بوسائط مختلفة فبعض الناس يتعلمون نوعاً معيناً من المعلومات أو المهارات بينما يتعلم اناس آخرون معلومات ومهارات أخرى اذ لا يعق ان يوجد شخص يعرف كل المعلومات وكل المهارات ولكن كل فرد يعرف بعض مما هو شائع بين الجميع كاللغة مثلا. والمظهر الثالث لعملية التطبيع الاجتماعي هو نمط وتطور الدوافع والاتجاهات والقيم والأخلاقيات التي تسهم في تماسك المنظومة الاجتماعية ، وعليه تعد عملية التطبيع الاجتماعي وعاءً كبيراً يتضمن كل مظاهر الشخصية من معارف وقدرات ودوافع ومشاعر ووعي. ويمكن ان نخلص من هذا العرض لنظريتي سيرز وبارسونز الى وجود ثلاثة مبادئ عامة تحكم البعد الاجتماعي في بناء الشخصية، وهي الثواب والعقاب"Reward and Punishment ،والتطابق أو التوحد"Identification ،والمسايرة "Conformity".
فقد نجد ان إثابة السلوك المرغوب فيه من جانب الآباء والمربين يهدف الى صياغة شخصية المتعلم وفق الرؤى الخاصة بهم. وبمعنى آخر يحدث للأجيال الصاعدة تطبيع اجتماعي يقبله الكبار، ويعتدل السلوك عادةً في الاتجاه الذي يرغب فيه الآباء أو المربون، ولكن ليس بالضرورة ان يطيع الفرد كل ما يطلب منه، اذ أن هناك تباينات بين الأفراد. ويختلف الأمر نوعاً ما بالنسبة لمفهوم العقاب الذي يهدف الى كشف السلوك غير المرغوب فيه. ويأخذ التدعيم السالب(العقاب) أشكالاً متباينة مثل تعبيرات الوجه، والتهديد باللفظ والإهمال المتعمد،والضرب ويصل الى القسوة الزائدة التي قد تسبب عاهة جسدية.
وأما عملية التطابق أو التوحد فتعد ميكانيزماً يتم على المستوى اللاشعوري ، اذ يتقبل الفرد عادات وأفكار وقيم النموذج الذي سيطابقه ويتم ذلك غالباً من منطلق الإعجاب بالشخص الأقوى في أي مجال. فالطفل قد يتوحد مع الأب، والطالب قد يتوحد أو يتطابق مع مدرس معجب به ويتمنى ان يصبح مثله. وأخيرا المسايرة ، فالإنسان باعتباره كائن اجتماعي لا يمكن ان يكتسب هويته الاجتماعية الا بالمعيشة وسط الناس، بدأً بالأسرة ثم الوسائط الثقافية بما فيها المدرسة وأخيرا المجتمع الكبير بكل مؤسساته وشرائحه. ولكل مجتمع معايير يلتزم بها معظم أفراد المجتمع ويصبح الملتزم -في داخل الجماعة- أما غير الملتزم بهذه المعايير فعادةً ما ترفضه الجماعة ويصبح- في خارج الجماعة-. والسائد بين أفراد الجماعة هو الرغبة في ان يكونوا ملتزمين بالمعايير الموضوعية من تقاليد وعادات وفهم مشترك ووعي جمعي وعقل جمعي، وان خروج فرد ما أو عدم التزامه بمعايير الجماعة يسبب الكثير من الاضطرابات والقلق والمعاناة.
أبعاد نمو الشخصية :
إن نمو الشخصية يتم في صورة متكاملة وفق جوانب معينة من النمو، وهذه الجوانب يمكن ذكرها بالآتي :أولا: النمو النفسي عند فرويد:
يتمحور النمو النفسي عند فرويد في وجود مناطق شبقية في جسم الفرد، وعند استثارة هذه المناطق ينتج عن ذلك اشباعات لبيدية، وقد قدم فرويد مفهوم اللبيدو باعتباره طاقة نفسية جنسية،وهذه الطاقة تتركز في أماكن معينة في أثناء نمو الفرد. وقد افترض فرويد سلسلة من خمس مراحل متتالية في ارتقاء الشخصية، وكان فرويد يعتقد ان الشخصيات الأساسية للأفراد تتأسس في حدود السنوات الخمس الاولى وتبقى كما هي في جوهرها طوال الحياة. وهذه المراحل ، هي:
المرحلة الفمية "Oral Phase " وتبدأ عند الميلاد، يتمركز النشاط النفسي للكائن الحي على إشباع حاجات الفم والقناة الهضمية بما فيها اللسان والشفتين. وقد أشار فرويد الى نمطين من الشخصية يرتبطان بالتثبيت على المرحلة الفمية وينموان بكاملهما في الرشد: النمط الاول وهو نمط الشخصية الفمي الاستقبالي الذي يتركز فيها على الخبرات اللاذة في الطفولة والمتمثلة في وجود الطعام في الفم وأثناء الهضم. وهذا النمط يسهل إقناعه، بل ويسهل خداعه(لديه رغبة في ابتلاع أي شىء) ويكون علاقات تتسم بالاعتماد على الآخرين. ومثل هولاء الناس مهتمين باستقبال المعلومات واكتساب الفوائد المادية وهم بصفة خاصة مغرومون بالحلويات وبالتدخين وبالجنس الفمي، وعند فرويد تعتبر السمنة المفرطة نابعة من الاستقبالية الفمية. والنمط الثاني هو الفمي العدواني ، وهو أيضاً مشتق من ملذات الطفولة المرتبطة بالفم والطعام ، ولكن مع التركيز على المضغ والعض. والأشخاص من هذا النمط يتوقع أنهم يفضلون الحلويات ذات الأسطح الخشنة والمواد الصلبة. أنهم عدوانيون لفظياً في علاقاتهم مع الآخرين وطريقتهم في الكلام فيها تهكم وتتسم بالمجادلات ، كما أنهم حريصون على ان يرتبطوا بالآخرين على نحو وثيق كما لو كانوا يتملكونهم.
المرحلة الشرجية " Anal Phase" ، وتشغل في النمو السوي عادة العامين الثاني والثالث، ويحدث الإشباع الجنسي عندما يتخفف الطفل من البراز ويخرجه من أمعائه من خلال فتحة الشرج التي تستثار من نزول البراز منها. وهناك العديد من الناس يستمدون نوعاً من التهيج واللذة الجنسية في التبرز طوال حياتهم ويصفون هذه الخبرة انها خبرة سارة ومثيرة. وجانب هام من المرحلة الشرجية هو التدريب على ضبط عمليات الإخراج، والتي يحدث بسببها أنواع من الصراعات البينية الشخصية بين الأطفال وآبائهم. والتثبيت على المرحلة الشرجية ربما ينتج لنا شخصية كئيبة في الرشد، وتظهر لدى الشخص التوجهات السلوكية المتمثلة في النظام والبخل والعناد والإمساك.
المرحلة الذكرية " Phallic Phase" ، تمثل هذه المرحلة عادة العامين الرابع والخامس، ويتركز الليبدو في هذه المرحلة في الأعضاء التناسلية ، حيث يكتشف الأطفال الذكور عقدة اوديب وكذلك الفتاة يصبح عندها عقدة الكترا. ويعطي فرويد دلالة نفسية كبيرة للقضايا المحيطة بهاتين العقدتين. ويمكن ان تحل هذه العقد من خلال تعاطف الأم والأب مع أبنائهما فيتطور الأنا الأعلى لدى الأطفال.
مرحلة الكمون " Latency Phase" ، وتمثل الطور الرابع من مراحل النمو والارتقاء في الشخصية عند فرويد ، وفيها تكبت المشاعر في كل من الولد والبنت في حوالي سن السادسة أو السابعة. بمعنى ان الغرائز اللبيدية هي التي دفنت في أعماق اللاشعور، ولقد بين فرويد وجود ثلاث انماط من الشخصيات تتضح من خلال مراحل النمو المذكورة آنفآ ؛ حيث يحدث عادة التثبيت " Fixation" فالتثبيت في المرحلة الاولى (الفمية) يُكوّن شخصية تتسم بالاتجاهات السلبية تجاه الاخرين وتسعى دائما للاشباع عن طريق الآخرين. وعادة ما تتسم شخصية المثبت فمياً بعدم النضج وبالثقة المطلقة بالاخرين. والتثبيت على المرحلة الثانية( الشرجية) له نمطان، النمط الاول في الشخصية يتسم بالعدوانية والمشاكسة وكثيرا ما تحدث له حالات الاسهال ، في حين ان التثبيت في النمط الثاني كثيرا ما يعاني من حالات ( امساك) ويتسم بالعناد والبخل. والتثبيت على المرحلة الثالثة يؤدي بالفرد الى المزيد من القلق والتذبذب والتنقل من موضوع حب لموضوع آخر ويتسم سلوك الشخص بانفعالية حادة.
المرحلة التناسلية " Genital Phase" ، وهي مرحلة المراهقة وتبدأ عادة حوالي سن الثالثة أو الرابعة عشرة من العمر، وهي فترة الحب الجنسي الناضج والتي تبدأ عند البلوغ وتتضمن توجيه كلاً من مشاعر اللذة والعاطفة نحو شخص آخر- على عكس جنسه- لأن على هذا الميل يتوقف مستقبلا بقاء الجنس البشري، ويحدث للمراهق في هذه الفترة ميول اضافية فبعد الميل الجنسي يحدث الميل الانفعالي والاجتماعي والمهني ، واذا كان التطور ناجحاً في هذه المرحلة وغيرها من المراحل السابقة بانه يقود الى الزواج والنضج الجنسي وتكوين الاسرة.
ثانيا: النمو الاجتماعي عند باندورا :
اهتم باندورا (Bandura) بدراسة الانسان في تفاعله هو والاخرون واعطى اهتماما بالغا بالنظرة الاجتماعية، والشخصية في نظر باندورا لا تفهم الا من خلال السياق الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي. فالسلوك عند باندورا يتشكل بالملاحظة ، اي ملاحظة سلوك الاخرين، كما يعتبر باندورا العمليات المعرفية مثل الانتباه والادراك والتذكر والتخيل والتفكير لها القدرة على التأثير في اكتساب السلوك. وتبدأ الشخصية كما يرى باندورا في الاستجابة للنماذج المتاحة منذ الطفولة المتمثلة بالوالدين والاخوة الكبار. والسلوك المنحرف ايضا يتم على نموذج خاص به ويتضح هذا في نموذج سلوك العنف الموجود في برامج الكارتون للاطفال، كذلك يكتسب الطفل المخاوف كالخوف من الفئران اذا ما وجد نموذجا امامه يخاف الفئران كالأم والأب والاخ، وافضل النماذج تكون عادة من الجنس نفسه ويؤثر نوع السلوك الناتج عن النموذج في نوع المحاكاة التي يمارسها المقلد وتمر عملية النمذجة بأربع عمليات أساسية متداخلة هي الانتباه والاستدعاء وإعادة الأداء الحركي والدافعية. فالانتباه عملية معرفية يتركز شعور الفرد واهتمامه حول مثير معين هو النموذج. وتحدد عملية الانتباه السلوك الانتقائي الملاحظ مع استبعاد أنواع أخرى من السلوك لا تلفت نظر الملاحظ. أما عملية الاستدعاء فعن طريقها تستدعي الخبرات وأنماط السلوك الناتجة عن النموذج ، ويمكن أن تخضع هذه العملية لمنظومتين، المنظومة الأولى منظومة تخيلية والمنظومة الثانية منظومة لفظية. وفيما يخص عملية إعادة الأداء الحركي ، فتتضمن هذه العملية تحويل ما هو معروض من رموز إلى أفعال مناسبة، كما يتضمن السلوك في هذه الحالة مجموعة من المهارات العملية أو الحركية تتم بالممارسة وبالتغذية المرتدة التي تحدث نتيجة الأداء وما ينجم من تعديل في ضوء استجابات الآخرين. وأخيرا الدافعية والمقصود بها هنا كم التعزيز الذي يحفز الشخص لتمثيل سلوك النموذج، والتعزيز يأخذ صور ثلاث: التعزيز الخارجي ويتمثل في تقديم المكافأة أو إبعاد عقاب، فالمكافأة أو الإثابة تؤدي إلى دفع الشخص لتكرار السلوك المحتذى، والعقاب يؤدي إلى انطفاء السلوك الممارس. والتعزيز البديل يتم عادة حين يكافأ أو يعاقب سلوك الآخرين، فإثابة سلوك الآخر تزيد من ميل الملاحظ لتمثل السلوك نفسه، كما أن عقاب السلوك الناتج عن الآخر ينأى بالشخص عن ممارسة نوع السلوك نفسه. والتعزيز أو التدعيم الذاتي بمعنى ان الأفراد لهم القدرة على مكافأة أو عقاب أنفسهم وفق نوع السلوك الناجم عنهم.ثالثا: النمو المعرفي عند بياجيه
يقصد بالنمو المعرفي عند بياجه ، العمليات العقلية المميزة لمراحل النمو المختلفة من الطفولة حتى تمام النضج.ويفترض أن النمو المعرفي عند الفرد يحدث من خلال أربع مراحل أساسية وهي الآتي:-المرحلة الأولى: الحسية – الحركية :
وتشمل عمر الطفل منذ لحظة الميلاد حتى نهاية السنة الثانية، ويحدث النمو المعرفي بشكل رئيس في هذه المرحلة من خلال الحواس والنشاطات الحركية.وأهم خصائص هذه المرحلة :يحدث التفكير بصورة رئيسة عبر الأفعال
تتحسن عملية التآزر الحسي- الحركي
يتحسن تناسق الاستجابات الحركية
يتطور الوعي بالذات تدريجياً
تتطور فكرة بقاء الأشياء أو ثباتها
تبدأ عمليات اكتساب اللغة.
المرحلة الثانية: التفكير ما قبل تكوين المفاهيم:
وتمتد من بداية العام الثالث وحتى نهاية العام السابع، وفيها تأخذ المعطيات في البيئة معنى رمزياً بالنسبة للطفل، فيتعامل هو واللعب وكأنها كائنات حية، ويبدأ الطفل في تصنيف الأشياء وإدخالها في فئات ، وتعتبر مرحلة انتقالية غير مفهومة على نحو واضح، اذ أن الأطفال خلالها لا يفهمون بسهولة وجهات نظر الآخرين حولهم ، وإنما يفهمون الأشياء من وجهة نظرهم الخاصة بهم.وأن أهم خصائص هذه المرحلة:
ازدياد النمو اللغوي واستخدام الرموز اللغوية بشكل أكبر
سيادة حالة التمركز حول الذات
البدء بتكوين المفاهيم وتصنيف الأشياء
الفشل في التفكير في أكثر من بعد أو طريق واحدة
يتقدم الإدراك البصري على التفكير المنطقي.
المرحلة الثالثة: مرحلة العمليات المحسوسة:
وتبدأ من سن الثامنة وحتى نهاية سن الحادية عشر، وفيها تنمو قدرة الطفل على إدراك العلاقات بين الأشياء ، فينمو لديه مفاهيم الحجم ، الوزن ، الطول، القصر،والعدد. كما يستطيع الطفل ان يدرك مثلا ان كرة صغيرة من الحديد أثقل من بالونه كبيرة مملؤة بغاز الهيدروجين أو الهليوم رغم اختلاف الحجم. وأهم خصائص هذه المرحلة:
الانتقال من اللغة المتمركزة حول الذات الى اللغة ذات الطابع الاجتماعي
تتطور عمليات التفكير في أكثر من طريقة أو بعد واحد
تتطور عمليات التجميع والتصنيف وتكوين المفاهيم
يحدث تفكير الأطفال من خلال استخدام الأشياء المادية الملموسة
فشل التفكير في الاحتمالات المستقبلية دون خبرة مباشرة بالموضوعات المادية.
المرحلة الربعة: مرحلة العمليات الصورية( التفكير المجرد):
وتبدأ من بداية العام الثاني عشر وتستمر حتى مشارف المراهقة ، أي نهاية مرحلة الطفولة المتأخرة(نهاية العليم الابتدائي) وحتى نهاية المرحلة المتوسطة وبداية المرحلة الإعدادية. وتنمو لدى المراهق في هذه المرحلة القدرة على التصور العقلي ، أي القدرة على التجريد " Abstraction" ، اذ يمكن للطفل والمراهق ان يتصور الأحداث والمواقف ويبتعد عن المعالجة العينية الحسية، ويمكنه أيضآ ادراك الشيء دون أن يراه أو يلمسه أو يحسه، وتستمر هذه الظاهرة بعد ذلك بصفة دائمة اذ يكون التعامل مع الفكرة عن الشيء أو مع ما يرمز اليه دون الإدراك العياني. ولذا لا ينبغي تدريس الرياضيات المجردة كالجبر مثلا قبل هذه المرحلة، كذلك الكثير من المفاهيم مثل الموت والحرب، والفضيلة، ويستطيع الفرد في هذه المرحلة ان يتصورها بكل ما تعنيه من ممارسات. ومن ابرز خصائص هذه المرحلة:
يدرك الفرد ان الطرق والوسائل في المرحلة السابقة غير كافية لحل مشكلاته فيقل اعتماده عليها بمعالجة الأشياء المادية
تتوازن عمليتا التمثل والمواءمة ويصل الفرد الى درجة عالية من التوازن
وجود التفكير الاستدلالي محك رئيس للدلالة على الوصول الى التفكير المجرد
القدرة على وضع الفرضيات وفحصها وملاحظة النتائج ووضعها بأشكا منطقية
الانتقال من التمركز حول الذات الى التفكير في العلاقات الاجتماعية المتبادلة.
العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية:
======================
فيما سبق عرفنا ان الشخصية تتكون من مكونات جسمية وعقلية وانفعالية واجتماعية، وتتحدد هذه المكونات وتتأثر بعوامل متنوعة ومتفاعلة ومتكاملة، وفيما يلي أهما:
العوامل الحيوية: ان وظائف الأعضاء تؤثر في نمو شخصية الإنسان، فمثلا ان التوازن في إفرازات الغدد يجعل من الشخص سليما نشطاً ويؤثر تأثيرا حسنا على سلوكه بصفة عامة. وتؤدي اضطرابات الغدد الى الاضطراب النفسي والسلوك المرضي. حيث مثلا ان نقص إفراز الغدة النخامية يسبب تأخر النمو بصفة عامة، ونقص افراز الغدة الدرقية يسبب القزامة المصحوبة بالضعف العقلي. كذلك نجد ان الجهاز العصبي المشرف على كل الوظائف العضوية اذا كان سليما كان نمو الشخص سليما، اما اذا كان العكس فان ذلك يؤدي الى اضطرابات ملحوظة في الشخصية منها الأمراض العصبية والعقلية. وهكذا الأمر بالنسبة للتكوين الجسمي للشخص يؤثر على سلوكه وتوافقه،فمثلا التكوين الجسمي الرياضي يساعد على النجاح الرياضي، والعجز الجسمي يؤثر على شخصية الفرد اجتماعيا ونفسيا فقد يؤدي الى الشعور بالنقص والانطواء وفقدان الثقة بالنفس والاتكالية والحقد أو العدوان.
الوراثة : تمثل الوراثة جميع العوامل الداخلية التي كانت موجودة عند بداية الحياة وتنتقل الوراثة الى الشخص من والديه عن أجداده وسلالته عن طريق الجينات التي تحملها الكروموزومات التي تحتويها البويضة المخصبة من الحيوان المنوي بعد عملية الجماع الجنسي. وتعتبر الوراثة عاملا مهما يؤثر في النمو من حيث صفاته ومظاهره،نوعه ومداه، زيادته ونقصانه،نضجه وقصوره...الخ. وهكذا تلعب الوراثة دورا هاما في تحديد الخصائص الجسمية للشخص وفي تكوين الجهاز العصبي الذي يلعب بدوره دورا هاما في تحديد سلوك الفرد.
البيئة : وتشمل كل العوامل المادية والاجتماعية والثقافية والحضارية التي تسهم في تشكيل شخصية الفرد وفي تعيين انماط سلوكه في مواجهة مواقف الحياة. فالبيئة الاجتماعية تساعد في اكتساب الشخص نماذج سلوكية وسمات شخصية نتيجة التفاعل الاجتماعي مع غيره من الناس،والبيئة الحضارية تسهم في بناء الشخصية، والدليل على ذلك اختلاف السلوك الاجتماعي لكل من الجنسين في البيئات والثقافات المختلفة.
الوراثة والبيئة: من الصعوبة بمكان فصل أثر الوراثة عن أثر البيئة الا من الناحية النظرية، بمعنى ان العوامل الوراثية والعوامل البيئية تتفاعل وتتعاون في تحديد شخصية الفرد وانماط سلوكه ومدى توافقه وشذوذه. فالوراثة كما ذكر آنفاً تمثل كل ما يأخذ الفرد عن والديه عن طريق الجينات أو الكروموزومات أما البيئة فتشمل جميع العوامل البيئية المؤثرة في الفرد من بداية الحمل حتى الممات ورغم ذلك يصعب الفصل بين ما هو روراثي وما هو بيئي وذلك لان البيئة تعمل منذ اللحظة الأولى التي تعمل فيها الوراثة ولا يظهر أثر الوراثة الا في البيئة.
النضج: يتضمن النضج عملية النمو الطبيعي التلقائي التي يشترك فيها الأفراد جميعا والتي تتمخض عن تغيرات منتظمة في سلوك الشخص بصرف النظر عن اي تدريب او خبرة سابقة،اي انه أمر تقرره الوراثة. وقد يمضي النمو طبقا للخطة الطبيعية للنضج على الرغم من التقلبات التي تعترى البيئة بشرط الا تتجاوز هذه التقلبلا حا معينا.أن الفرد لا يمكن ان يكتب ما لم تنضج عضلاته وقدراته اللازمة في الكتابة.
التعلم: ويتضمن النشاط العقلي الذي يمارس فيه الفرد نوعا من الخبرة الجديدة وما يتمخض عن هذا من نتائج سواء كانت في شكل معرف او مهارات او عادات او اتجاهات او قيم او معايير. وتلعب التربية دورا هاما في هذا الصدد.
الأسرة: تعد الأسرة النواة الأولية الاولى التي تشرف على النمو النفسي للطفل وتؤثر في تكوين شخصيته وظيفيا وديناميا وتوجيه سلوكه منذ طفولته المبكرة. وتلعب العلاقات بين الوالدين والعلاقات بينهما وبين الطفل وإخوته دورا هاما في تكوين شخصيته وأسلوب حياته وتوافقه ، فعلى سبيل المثال نجد ان السعادة الزوجية تؤدي الى تماسك الأسرة مما يخلق جوا يساعد نمو الطفل الى شخصية متكاملة ومتزنة.
المدرسة: تقوم المدرسة باعتبارها مؤسسة رسمية بوظيفة التربية وتوفير الظروف المناسبة للنمو النفسي للتلاميذ. وتتأثر شخصية التلميذ بالمنهج الدراسي بمعناه الواسع حيث يزداد علما وثقافة وينمو جسميا واجتماعيا وانفعاليا. كذلك تتأثر شخصية الطفل بشخصيات معلميه تقليدا وتوحدا والعلاقات الاجتماعية في المدرسة بين المدرس والتلاميذ وبين التلاميذ بعضهم وبعض وبين المدرسة والأسرة.
جماعة الرفاق: تقوم جماعة الرفاق بدور هام في تكوين شخصية الفرد حيث تساعد الجماعة في النمو الجسمي عن طريق اتاحة فرصة النشاط الرياضي، والنمو العقلي عن طريق ممارسة الهوايات، والنمو الاجتماعي عن طريق النشاط الاجتماعي وتكوين الصداقات والنمو الانفعالي في مواقف لإنتاج غيرها من الجماعات. وإذا كانت جماعة الرفاق رشيدة كان تأثيرها حسنا، وإذا كانت منحرفة كان تأثيرها سيئاً.
10 .الادوار الاجتماعية: ان الشخص وهو يقوم بأدواره الاجتماعية تتأثر شخصيته بهذه الأدوار، ذلك ان الدور الاجتماعي يتحدد في ضوء نوع الجماعة وبنائها والموقف الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي وفي ضوء الاتجاهات النفسية وسمات شخصيات الأفراد. وتمتزج الأدوار الاجتماعية المتعددة للفرد لتسهم في تكوين مفهوم الذات لديه. وهكذا تتحدد معالم شخصية الدور في إطار سلوك المحدد بدوره بمجموعة المعايير الاجتماعية التي ترتبط بالسن والجنس والحالة الزوجية الطبقة الاجتماعية. والأدوار الهامة تترك أثرآ في الشخصية. والشخصية تعبر عن تكامل كل الأدوار التي يقوم بها الشخص.
19